بسقوط حكومة الحبيب الجملي ليلة الجمعة الـعاشر من شهر جانفي المنقضي ، عادت مبادرة تكليف شخصية جديدة لتشكيل الحكومة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد حسب ما تنصّ عليه الفقرة الثانية من الفصل 89 من دستور 26 جانفي 2014 .
ولئن شهد مسار تشكيل حكومة الجملي مشاورات ماراطونية بكثير من الشدّ والجذب تشكلت خلاله أربع حكومات لم تر أيّ منهنّ النور ، فانّ حكومة الفخفاخ لا تزال مشاوراتها تراوح مكانها منذ أسبوعين بجنوح الأخير الى تركيز « حكومة ثوريّة « كما وصفها تستمدّ شرعيتها من شرعيّة الرئيس ومن الأحزاب الـتّي دعمته في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، أي بالعمل على اقصاء ثاني أكبر كتلة في البرلمان كتلة حزب قلب تونس والاعتماد على كلّ من حزبي التيّار الديمقراطي وحزب تحيا تونس (المرشحان الأساسيّان للفخفاخ) وحركتي النهضة والشّعب .
سيناريو بات من الواضح أن حركة النهضة صاحبة أكبر كتلة في البرلمان ترفضه رفضا قطعيّا خاصّة بعد تجربتها الأخيرة مع ما يحسب على « احزاب الثورة » من رفض للدخول في الحكومة بعد الاستجابة لكافّة مطالبهم والتراجع عشيّة منح الحكومة الثقة ، ثمّ اسقاطها وطبعا ابّان انتخاب رئيسها رئيسا لمجلس نواب الشعب والابتزاز الذي تعرّضت له ما دفعها لفصل المسارات والذهاب في اتفاق برلماني مع كلّ من حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة وبعض من نواب كتلة الاصلاح الوطني .
كل ما أسلفنا ذكره، دفع حركة النهضة للمضيّ قدما في تمسّكها بتشكيل حكومة وحدة وطنيّة ذات حزام سياسي واسع لا اقصاء فيها الاّ لمن أقصى نفسه ، وتؤكّد في أكثر من تصريح على لسان قياداتها أنّه « أصبح يحظى بدعم أغلبيّة برلمانية مؤكدة » ، كما أعلنت عن عدم توقيعها على وثيقة التعاقد الحكوميّة التي طرحها المكلّف بتشكيل الحكومة والأهمّ من كلّ هذا اعلانها عن استعدادها لكلّ الاحتمالات بما فيها الذّهاب لانتخابات تشريعيّة مبكّرة والابقاء على مجلس شوراها في حالة انعقاد دائم وتقدّم كتلتها بالبرلمان بتقديم مشروع قانون لتنقيح القانون الانتخابي لرفع العتبة الانتخابيّة لـ 5% .
خطوات يؤكّد خصوم حركة النهضة قبل أصدقائها، أنها أعادتها للمشهد في ثوب الأقوى ومن بيده تحرّك مقاليد المبادرة التي ضاعت منها بإسقاط حكومة الجملي.
لكنّ كثيرون أيضا يشككون في مدى جدّية النهضة، وتصاعدت الاصوات التي تقول ان النهضة تناور فقط للحصول على نصيب الأسد من الحكومة، خلال تمسكها بقرارها ورفض تقديم أي تنازلات وتهديدها بعدم منح حكومة الفخفاخ الثقة، ما يجعلها ميتة قبل الولادة وساقطة قبل تشكيلها في حال تشبّثه بموقفه .
فشل الفخفاخ في الحصول على ثقة البرلمان يفضي الى نتيجة حتميّة؛ إذ أكّد رئيس الجمهورية في أوّل وآخر حوار له أنّه سحترم القانون وسيطبّق ما نصّ عليه الدستور حرفيّا…حلّ البرلمان!.
هنا بالتحديد تفوح رائحة مطابخ الكواليس التي تدار فيها الأمور بكثير من الجدّية والدقة ، حيث علم موقع تونس 24 من مصادر جدّ مطّلعة على هذه الكواليس، أن الجبهة البرلمانية التي تدعم تشكيل حكومة وحدة وطنيّة، تعدّ لائحة لوم لسحب الثقة من يوسف الشاهد وحكومته وفق الفقرة الثانية من المادة 97 من الدستور، في حالة سقوط حكومة الفخفاخ وهو ما تؤكّده مصادنا لحدّ الآن، في نفس اليوم الذيّ ستقوم فيه بالمصادقة على مشروع القانون الانتخابي الجديد وتعيين شخصيّة مستقلّة لترؤّس حكومة تصريف أعمال تعدّ العدّة لانتخابات تشريعية مبكّرة وتعمل على تنقية وتهيئة المناخات لها قبل أن يحلّ البرلمان .
وتوجّه هذه الجبهة البرلمانيّة لرئيس حزب تحيا تونس ورئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي يوسف الشاهد عديد التهم منها استعمال وتطويع أدوات الدولة لترهيب منافسيه وابتزازهم وتلفيق قضايا وهميّة وتحريك الملفّات القضائية حسب المستجدات وتلغيم الادارة التونسية بمئات التعيينات قبيل نهاية عهدته.
كما فقدت أيضا مكوّنات هذه الجبهة الثقة في الشاهد نظرا لعمله الحثيث على افساد مفاوضات تشكيل الحكومة سواء من خلال الدّفع ببعض الوسطاء لافشال مشاورات كانت متقدّمة أو من خلال حبكه للدسائس والمؤامرات للبقاء أطول مدة ممكنة في الحكم. ويذكر أنّ الشاهد نفسه الذي طالما احتكر لنفسه كل عناوين محاربة الفساد، إنه يواجه في ذات الوقت حوالي 17 قضيّة -تحت أنظار القضاء- وتتعلق جميعها بشبهات فساد.
معطيات ومواقف متحوّلة في نسق زمني عاصف لا يسمح الا للقادة الكبار وحدهم مراقصة الأفاعي والحفاظ على شعرة معاوية باتخاذ القرارات الصائبة في المواقيت الدّقيقة للعمل على اخراج تونس من أزماتها وجعلها تتسع لكلّ أبنائها.