اختار رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ، كما كان منتظرًا، أن يحيط نفسه بذات الحزام السياسي الذي اختاره سلفه الحبيب الجملي في بداية مشاورات تشكيل الحكومة. حزام يتكون من تحيا تونس وحركة النهضة وحركة الشعب والتيار الديمقراطي.
وفي الندوة الصحفية التي عقدها أول أمس الجمعة، أكد الفخفاخ أن حزب قلب تونس لن يكون طرفا في الحكومة القادمة، بما يعني أن الحاكم -المرتقب- هو الذي اختار من يحكم معه ومن سيعارضه قبل حتى أن يعرض مشروعه الحكومي ودون أن يعلن عن برنامجه على كل الاحزاب التي وحدها لها الخيار بين الذهاب إلى القصبة أو البقاء في باردو.
واللافت للنظر، أن إلياس الفخفاخ بدا وكأنه على قناعة تامة بأن حركة النهضة صاحبة العدد الأكبر من نواب الشعب، ستوافق بكل شروطه هروبا من شبح إعادة الانتخابات، بإعلانه إقصاء من المشهد الحكومي رغم أن حركة النهضة ترفض ذلك وأعلمته بهذا الموقف على لسان رئيسها راشد الغنوشي قبل الندوة الصحفية بيوم.
واللافت أيضا، أن إلياس الفخفاخ لم يقتصر على توجه الإقصاء، فذهب إلى منهج التقسيم عبر إسقاط المشهد الانتخابي الرئاسي الفارط على الظرف الخالي الذي تعالت فيه الأصوات المنادية بالوحدة الوطنية وذلك بإعلانه الانطلاق في بناء الحزام السياسي، على أساس الأطراف التي صوّتت للقيم التي جسّدها رئيس الجمهورية، قيس سعيّد في الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية، بناء على أفكار الثورة. وهو ما يعني أن من كل انخرط في منافسة قيس سعيد هو بالضرورة خارج قيّم المرحلة القادمة أي أن أكثر من مليون تونسي هم خارج الحسابات السياسية للفخفاخ.
إلياس الفخفاخ لم يكن مرشحا بارزا لرئاسة الحكومة، وهو مرشح تحيا تونس والتيار الديمقراطي بعد تنسيق بينهما كشف عنه رئيس حزب التيار محمد عبو. كما أن اختياره من قبل رئيس الجمهورية والتناغم بينهما في تفاصيل تخرج عن سلطة الرئيس والأهداف التي أعلن عنها، والخطاب الذي بدأ في ترويجه، يوحي وكأنه مجرد وزير أول لدى رئيس الدولة إذ منذ الساعات الأولى لتكليفه أعلن أنه سيكون صاحب الكرسي الفارغ الذي ظل شاغرا خلال الاجتماع الشهير الذي عقده قيس سعيد في قرطاج مع « تحيا نهضة شعب التيار » لإقناعهم بالانخراط في حكومة الجملي في تجاوز لصلاحياته.
وأكدت مصادر جد مطلعة على كواليس المشاورات التي يعقدها إلياس الفخفاخ لموقع تونس 24، أن هناك اتفاقات حاصلة لضرورة تشريك حركة النهضة في الحكومة القادمة، ليس حبا فيها ولا في حجمها السياسي، وإنما بغاية تورطيها في الحكم وعزلها عن تكوين جبهة برلمانية قوية مع حزب قلب تونس وكل من يريد الالتحاق بهما.
وتشير مصادرنا، إلى أن هناك توجه لمنح حركة النهضة وزارات ثانوية على علاقة مباشرة بالشعب والشباب على غرار الشؤن الاجتماعية التي تعاني صناديقها الافلاس والتشغيل لجعلها في التحام مباشر مع الشباب ومن ثمة تحميلها مسؤولية الفشل في حل الملفات الحارقة. كما أضافت مصادرنا، أن محيط إلياس الفخفاخ، يعمل على كذلك على عزل النهضة في البرلمان إذا انسحبت من الحزام السياسي للحكومة وذلك عبر تحريك قضية نبيل القروي المتعلقة بتبييض الأموال والتسريع في مسار التقاضي والزج به في السجن ثم الالتفاف على حزبه وكتلته البرلمانية وتفكيكها وإلحاقها بكتل أخرى عبر سياسة الضغط والترهيب وهو مخطط كما يقول المثل الشعبي « ضرب عصفورين بحجر واحد »؛ أولا التخلص من « المزعج » نبيل القروي المنافس الأشرس ليوسف الشاهد صاحب طبخة إيصال الفخفاخ إلى دار الضيافة في مرحلة أولى والقصبة في مرحلة ثانية، وثانيا عزل النهضة في البرلمان اذا هي هربت من عزلها داخل الحكومة.
وفي المقابل، ذكرت مصادرنا أن هناك تخوفات من أن يسقط هذا المخطط في الماء إذا جازفت حركة النهضة بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، لان ذلك يعني خسارة الفخفاخ فرصة العمر، ولن يعود للقصبة مطلقا وهو الذي يحمل أصفارن الانتخابية، ويعني أيضا خسارة بعض مكونات حزامه السياسي مكانتها المتقدمة في المشهد السياسي والبرلماني.
ومن هذا المنطلق ترجح مصادرنا أن تذهب حركة النهضة، صاحبة النفس الطويل دائما إلى أبعد نقطة في المعركة وستختار إعادة الانتخابات بقانون ستعده في المرحلة المقبلة لقلب الطاولة على المخططين في الكواليس لعزلها وإقصاء وتفكيك من قد يتحالفون معه.